أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي *** وأســـــمعت كلماتي من به صمم
1-
الخيل والليل والبــيداء تعرفـني *** والسيف والرمح والقرطاس والقلم
سيعلم الجمع ممن ضمّ مجلسنا ***بأنني خير من تسعى به قدم
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي *** وأسمعت كلماتي من به صمم
أنام ملء جفوني عن شواردها ***ويسهر الخلق جرَّاها ويختصم
ما كانَ أَخلَقَنا مِنكُم بِتَكرُمَةٍ *** لَو أَنَّ أَمـرَكُمُ مِن أَمـرِنا أَمَمُ
وَبَينَنا لَو رَعَيتُم ذاكَ مَعرِفَةٌ ***إِنَّ المَعارِفَ في أَهلِ النُهى ذِمَمُ
كَم تَطلُبونَ لَنا عَيباً فَيُعجِزُكُم *** وَيَكرَهُ اللَّّـهُ ما تَأتونَ وَالكَرَمُ
ما أَبعَدَ العَيبَ وَالنُقصانَ عَن شَرَفي *** أَنا الثُريَّّا وَذانِ الشَيبُ وَالهَرَمُ
ولم يتوقف الشاعر الأبيّ عند هذا بل أضاف:
أَرى النَوى تَقتَضيني كُلَّ مَرحَلَةٍ *** لا تَستَقِلُّ بِها الوَخّادَةُ الرُسُمُ
لَئِن تَرَكنَ ضُمَيراً عَن مَيامِنـِنا *** لَيَحدُثَنَّ لِمَن وَدَّعتُهُم نَدَمُ
إِذا تَرَحَّلتَ عَن قَومٍ وَقَد قَدَروا *** أَن لا تُفارِقَهُم فَالراحِلونَ هُمُ
2- ما كل ما يتمنى المرء يدركه *** تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
-ذو العقل يشقى في النعيم بعقله*** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى *** حتى يراق على جوانبه الدمُ
-والهجر أقتل لي مما أراقبه أنا الغريق فما خوفي من البللِ
-إذا أتتك مذمتي من ناقص*** فهي الشهادة لي بأني كاملُ
-إذا أنت أكرمت الكريم ملكته *** إن أنت أكرمت اللئيم تمردا
-أعز مكان في الدنا سرج سابحٍ *** وخير جليس في الزمان كتابُ
-من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميتٍ إلامُ
-ومن يك ذا فم مر مريض *** يجد مراً به الماءا الزلالا
عيد باية حال عدت يا عيد *** بما مضى أم لأمر فيك تجديد
على قدر أهل العزم تأتي العزائم *** وتأتي على قدر الكرام المكارمُ
-الرأي قبل شجاعة الشجعان *** هو أول وهي المحل الثاني
-كريشة بمهب الريح ساقطة *** لا تستقر على حال من القلق
لا تعــذل المشــتاق فــي أشـواقه *** حــتى يكـون حشـاك فـي أحشـائه
إن القتيـــل مضرجــا بدموعــه *** مثــل القتيــل مضرجــا بدمائـه
ويقول فيما عاناه من نوائب الزمان:
لـم يـترك الدهـر فـي قلبي ولا كبدي *** شــيئا تتيمــه عيــن ولا جــيد
يــا سـاقيي أخـمر فـي كئوسـكما*** أم فــي كئوســكما هــم وتسـهيد
أصخــرة أنــا مـا لـي لا تتيمنـي *** هــذي المــدام ولا تلـك الأغـاريد
إذا أردت كــميت اللــون صافيــة *** وجدتهــا وحــبيب النفس مفقــود
وفي العفة مع الحبيب يقول:
وأشــنب معسـول الثنيـات واضـح *** ســترت فمـي عنـه فقبـل مفـرقي
وأجيــاد غــزلان كجـيدك زرننـي *** فلــم أتبيــن عـاطلا مـن مطـوق
ومـا كـل مـن يهـوى يعف إذا خلا *** عفـافي ويـرضي الحب والخيل تلتقي
وفي وداع الأحبة يقول:
ولــم أر كالألحــاظ يـوم رحـيلهم *** بعثـن بكـل القتـل مـن كـل مشفق
أدرن عيونـــا حــائرات كأنهــا*** مركبــة أحداقهــا فــوق زئــبق
عشــية يغدونـا عـن النظـر البكـا*** وعـن لـذة التـوديع خـوف التفـرق
وفي آلام الحب والهوى يقول:
أرق عـــلى أرق ومثــلي يــأرق *** وجــوى يزيــد وعــبرة تـترقرق
جـهد الصبابـة أن تكـون كمـا أرى *** عيــن مســهدة وقلــب يخــفق
مــا لاح بــرق أو تــرنم طـائر *** إلا انثنيــت ولــي فــؤاد شــيق
جـربت مـن نـار الهـوى ما تنتطفي *** نــار الغضـى وتكـل عمـا تحـرق
وعــذلت أهـل العشـق حـتى ذقتـه *** فعجـبت كـيف يمـوت مـن لا يعشق
وعــذرتهم وعــرفت ذنبـي أننـي *** عــيرتهم فلقيــت فيـه مـا لقـوا.
وفي مفارقة الأحباب يقول:
لـولا مفارقـة الأحبـاب مـا وجـدت *** لهــا المنايــا إلـى أرواحنـا سـبلا
وفي أهل العزم يقول:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم *** وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها *** وتصغر في عين العظيم العظائم
وفي نوائب الأيام يقول:
عــرفت نــوائب الحدثــان حـتى *** لــو انتســبت لكــنت لهـا نقيبـا
وفي التبرم بالحياة وتمني الموت لندرة الصديق يقول:
كـفى بـك داء أن تـرى الموت شافيا *** وحســب المنايــا أن يكـن أمانيـا
تمنيتهـــا لمـــا تمنيــت أن أرى *** صديقــا فأعيــا أو عـدوا مداجيـا
وفي الفخر بنفسه يقول:
ومــا أنــا إلا ســمهري حملتــه *** فــزين معروضــا وراع مســددا
ومـا الدهـر إلا مـن رواة قصـائدي *** إذا قلـت شـعرا أصبـح الدهـر منشدا
فســار بـه مـن لا يسـير مشـمرا *** وغنــى بـه مـن لا يغنـي مغـردا
وفي ذلك يقول:
لا بقـومي شـرفت بـل شـرفوا بـي *** وبنفســـي فخــرت لا بجــدودي
وبهــم فخــر مـن نطـق الضـاد *** وعــوذ الجــاني وغـوث الطريـد
إن أكــن معجبــا فعجـب عجـيب *** لــم يجـد فـوق نفسـه مـن مزيـد
وفي علو الهمة وتمجيد الكرامة:
أعطـى الزمـان فمـا قبلـت عطـاءه *** وأراد لـــي فــأردت أن أتخــيرا
وفي حال الدنيا يقول:
وقــد فـارق النـاس الأحبـة قبلنـا *** وأعيــا دواء المــوت كـل طبيـب
سـبقنا إلـى الدنيـا فلـو عـاش أهلها*** منعنــا بهــا مـن جيئـة وذهـوب
تملكهــا الآتــي تملــك ســالب *** وفارقهــا المــاضي فـراق سـليب
وقوله:
لحـا اللـه ذي الدنيـا مناخـا لـراكب *** فكــل بعيــد الهــم فيهـا معـذب
وقوله:
أبــى خــلق الدنيـا حبيبـا تديمـه *** فمــا طلبــي منهــا حبيبـا تـرده
ونراه يندب حظه فيقول:
مــاذا لقيــت مـن الدنيـا وأعجبـه *** أنــي بمـا أنـا بـاك منـه محسـود
أمســيت أروح مــثر خازنـا ويـدا *** أنــا الغنــي وأمــوالي المواعيـد
وفي حظ الجهال في الحياة يقول:
تحــلو الحيــاة لجــاهل أو غـافل *** عمــا مضــى منهـا ومـا يتـوقع
ولمــن يغـالط فـي الحقـائق نفسـه *** ويســومها طلــب المحـال فتطمـع
المال والحظ لا يجتمعان وفي ذلك يقول:
ومـا الجـمع بيـن الماء والنار في يدي *** بـأصعب مـن أن أجـمع الجد والفهما
وفي مفارقة الصديق المتغير يقول:
إذا صـــديق نكـــرت جانبـــه *** لــم تعنــي فــي فراقـه الحـيل
فــي ســعة الخـافقين مضطـرب *** وفــي بــلاد مــن أختهـا بـدل
ونراه يمتدح شعره بقوله:
ومـا قلـت مـن شـعر كـأن بيوتـه *** إذا كـتبت يبيـض مـن نورهـا الحبر
كـأن المعـاني فـي فصاحـة لفظهـا *** نجــوم الثريــا أو خـلائقك الزهـر